تحت عنوان “أفكار شاردة”، أصدرت الفنانة التشكيلية والأديبة لبابة لعلج ديوانها الشعري الثاني باللغة الفرنسية، الذي قدمه كل من الباحث الأكاديمي حسن لغدش والناقد حسن نرايس، وترجمه إلى العربية الناقد الجمالي عبد الله الشيخ. حول الأبعاد الدلالية لهذا المنجز آلنصي الحديث الذي تخللته عدة لوحات تعبيرية موحية، تقول لبابة لعلج : “متأملة شساعة الكون، تراودني فكرة الشرود من فكر إلى آخر دون شراك أو عقال. بلا خيط أحمر! مع “أفكار شاردة” يتواصل السفر بوتيرة الترحال”.
في معرض تقديمه لهذا الكتاب الأدبي والجمالي في آن الموسوم بـ “أفكار لبابة لعلج الشاردة، منجز البحث عن الأبجدية الأصلية”، كتب حسن لغدش “التجربة الحقيقية التي تتيح لنا الكتابة هي القراءة. في عمل الفنانة الشاعرة لبابة لعلج الموسوم بـ “أفكار شاردة”، يستوجب تحديد الخطوط العامة لفكر جوال ومثير للشجون إمكانية كل قبض حسب تغيير شخصي. بتلوينه العام، يتعارض هذا المنجز مع هم العرض التمثيلي، ومع منطق المشابهة، فهو يستبدل منطق الحلم بالتسلسل المحدث للوقائع، ويفضل المصادفة. فرغم كون النص ينحو أحيانا نحو الأمثولة(Allégorie )، فهو يمشهد شكلا وسيطيا بين الواقع والأسطورة، بمعنى إعادة تأليف تاريخي تخييلي. يتعلق الأمر، في الواقع، بالتفريج عن خيبات الحياة. لكن الأمر ليس انطواء على الذات، بالعكس، لخلق الطاقة وانبساط الأنا اللذين لا غنى عنهما. لكن لا يمكن تقدير النص فنيا إلا بشرط عدم إخفاء صعوبة قول الواقع، خاصة عندما يكون منفلتا، محيرا، ومربكا. لهذا، أليس حلم اليقظة هو الكارثة الافتراضية التي تمرست عليها المعرفة؟ إذا تطور حلم يقظة الشاعرة على منحدر الرغبة، منحدر الأفكار الرؤيوية، سيقود إلى رفض الجمود، والتنديد بتحجر اليومي”.
وتابع لغدش قوله إذا كان الشعري هو الحميمية والهروبية، سيصبح حلم اليقظة هذه الحالة غير الجلية المتقاسمة بين المقروء، الصوتي، والمرئي. كل ما هو حركة ومتعدد الأشكال ينتميان إلى هذا السجل. في هذا الصدد، الكلمات لدى لبابة لعلج تبدو مجسدة للغبطة والمعاناة. لهذا السبب يقام أحيانا الصمت متقدما غالبا على الكلام. يبدو أن هذا الكلام يبين أعماق الوعي.
هكذا، تراوح الفنانة الكاتبة بين الداخل والخارج، الهنا والهناك، تراوح ملازم للروح المغامرة. يتعلق الأمر قبل كل شيء بتبني حركة الحياة، بالتقدم إلى حدود وجودها أيضا، لأن الكتابة هي الوسيلة الوحيدة التي تتيح للفكر الإقامة حتى في حميمية الكائن. لا يتعلق الأمر لدى لبابة لعلج بنهل ذخيرة من الأمثلة والصور الرمزية من خزان الأعمال الإنسانية الكبيرة. يجب مرة أخرى معرفة الحديث عن هذه الأعمال لكي يصبح أخيرا المنجز التعبير المنبسط عن أسلوب حياة…
عموما، حاول نص لبابة لعلج تطبيق المقياس (بارومتر) على الروح كما قال جون جاك روسو، مسجلا تغييرات الحالة الداخلية التي تنكسر فيها كل التغييرات الخارجية. في ارتباط وثيق، الحياة والفكر والكتابة أدوات تجربة حيث دراسة الأنا والآخرين في فرادتهم وغرابتهم هي الوسيلة الوحيدة لبلوغ معرفة الإنسان الحقيقية، وارتياد مغامرة داخلية تساوي كل الرحلات”.
للتذكير فإن رواق المركز السوسيوثقافي التابع لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين بتطوان احتضن مؤخرا برسم هذا الموسم الثقافي الجاري معرضا تشكيليا فرديا للفنانة و الأديبة لبابة لعلج قدمت فيه جديد إبداعاتها الفنية تحت شعار “المادة بأصوات متعددة”.
بالموازاة مع هذا الحدث الفني نظم المركز المذكور بشراكة مع المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان لقاء مفتوحا مع هذه المبدعة حول إصدارها الفني الأول “شذرات” في نسختيه الفرنسية والعربية من تقديم الباحث الجمالي بوجمعة أشفري والكاتب والأستاذ الباحث رشيد دواني ، حيث سير هذا اللقاء أحمد فاسي ( كاتب وناقد فني) وساهم في إغناء حلقاته الفكرية كل من ادريس كثير ( كاتب وباحث جمالي) ونورالدين ضرار ( كاتب وشاعر) وشفيق الزكاري (فنان تشكيلي وناقد).
لبابة لعلج (مواليد فاس) استطاعت أن ترسخ حضورها النوعي داخل المشهد الإبداعي الوطني والدولي من خلال معارضها الجماعية ولقاءاتها الفكرية، طالقة العنان لزاد خيالها الجامح الذي أثرى أعمالها التشكيلية ذات المحاور الوجودية والجمالية المتعددة، حيث اشتغلت على الحروفية، والأبيض والأسود، والفن الخام، والبعد العجائبي، والمادة غير الصباغية، والتشكيل والملحون. صدرت حول تجربتها الإبداعية عدة منشورات من بينها: “بزوغ غرائبي”(دليل معرض فردي بالصويرة)، “عوالمــــــــــي”(مونوغرافيا)، “المادة بأصــوات متعددة”(مؤلف جمالي حول تجربتها)، “شذرات”(ديوان شعري) . من مؤلفاتها قيد الطبع: ، “تشكيل وملحون” (كتابات ولوحات)، “سيدات العالم: بين الظل والنور” (مؤلف جمالي للباحث والكاتب ادريس كثير) ، ”تصوف وتشكيل” (كتابات و لوحات)، ” شعر و تشكيل ” (كتابات و لوحات) ،”موسيقى وتشكيل” (كتابات و لوحات)، “أيقونآت التشكيل بصيغة المؤنث ” (كتابات و لوحات)، “همس الصمت” (كتابات و لوحات)،”تجريد وإيحاء”(مؤلف جمالي حول تجربتها) .