أين يمكن أن نضع نوع تخلي الرجل عن المرأة؟ هل هو تنازل طوعي وغير إجباري؟ هل هو انسحاب مقصود؟ أم هو رفض لموقف معين يخفيه بين ضلوعه؟ من منظور الرجل التخلي يرجع لأسباب كثيرة، ولضغوطات كثيرة اقتحمت مجتمعاتنا فاكتسحت نباتها الأخضر وجعلته قاحلا، مصفرا، ويابسا.
المرأة بالمفهوم القديم كانت تتحلى بالصبر والعطاء بلا حدود، بالرزانة والشخصية السوية المعتدلة. غابت اليوم عنا تلك الملامح؛ بل أصبح المجتمع يعاتب من تحمل تلك الصفات. ينعتها بالتقليدية والسلبية، أو بالمتخلفة والرجعية.
في ظل الحقوق والمدونة الجديدة، وفي ظل الإنفتاح على ثقافة الغرب هل المرأة اليوم أكثر سعادة؟ ألتكون امرأة عصرية مثقفة هل يجب أن تحارب الرجل متهمة إياه بالعقلية الذكورية؟ أهو بالفعل أحسن منها وضعا وحقوقا؟ هل عليها أن تتخلى عن مبادئ دينها وتنصهر في ثقافات دخيلة على المجتمع لا تعلم شيئا عنها إلا ما تراه من خلال الدعاية؟ هل عليها أن تعادي الرجل حين تشاء وتستنجد به حين تشاء؟ تلعب دور المرأة الرقيقة في بعض المواقف؛ وتنقلب إلى امرأة قوية شرسة في مواقف أخرى. كل هذا التناقض الفعلي والقولي ولَّد نفورا خطيرا بين الطرفين. فهل المرأة اليوم تحتاج إلى المساواة أم تحتاج إلى العدل والإحترام؟
الرجل أيضا صار يعاني المُر في صمت. فهو الآخر تُمارس عليه ضغوطات بالقانون. حتى هو يتعرض للضرب وللعنف. حتى هو يُسلب منه أولاده. فكم من امرأة هرَّبت أولادها لمكان مجهول فيحرم الأب من رؤيتهم مدى الحياة. الرجل أيضا يتألم لكن بطريقة مختلفة عن المرأة. وغالبية الرجال يصعب عليهم تفهم مزاجية النساء وتقلب آرائهن ومشاعرهن. يصعب عليهم إرضاءهن بالشكل المطلوب. فتتفاقم المخاوف ويفقد الطرفين الثقة في بعضهما بشكل كلي.
نشتكي ونتساءل لماذا يتخلى الرجل عن المرأة في الكثير من المواقف؟ لماذا أصبح جسد الرجل كأنه جسد معاق لا حول له ولا قوة؟ يعجز عن حماية امرأة في خطر رغم استنجادها به. يعجز عن حمايتها كما كان يفعل في عهد أجدادنا وآباءنا. يقف متسمِّرا في مكانه وينضم إلى عدد المشاهدين المستسلمين. وحين ينتهي المشهد ينفضُّ كل واحد إلى وجهته وقد التقط بهاتفه الذكي كل المشاهد ببشاعتها وآلامها. دون أدنى إحساس بدم يغلي في عروقه. دون إحساس أنه كان عيبا وعارا في الماضي القريب أن تترك امرأة أو إنسانا في خطرمواجها الموقف لوحده في لحظة ضعف. هل هذا التغير عند الرجل هو أنه أصبح لديه غموض وضبابية في الرؤية؟ فلم يعد يرى أي داعي لنجدة امرأة في موقف ما بما أنها تحاربه في عدة مواقف أخرى.
لن نلوم الرجل وحده. ولن نلوم من يدافع عن حقوق المرأة. ولا حتى المرأة.ففي عهد الدفاع عن المرأة اليوم، أصبحت تهان أكثر فأكثر من ذي قبل. في عهد الدفاع عنها، أصبحت تُغتصب الرضيعات حتى الموت. وتغتصب القاصرات، والمسنات، والمتزوجات، والعازبات … في زمن الحقوق ماتت الأخلاق. مات الضمير.
لماذا أصبح الرجال والنساء أعداء؟ لماذا دخلنا في دوامة الصراع والعراك من أجل إثبات من الأحسن ومن الأقوى ومن الأبقى؟ مع أن الجنسين بحاجة إلى بعضهما رغم إخفاء مشاعرهما. ورغم التظاهر بالإستقلالية وعدم الإحتياج، يكفي أن يحتاج أحدهما لوجود طفل في حياته فهذا كفيل أن يرجعه لذاك الحنين إلى الجنس الآخر. لولا حكمة الله في خلقه وربط الأولاد باحتياج كل جنس للآخر، لربما كان قد انقرض الجنس البشري.
كل معاني الرجولة، الشهامة، والأخلاق تجسد كينونة الرجل تجاه المرأة. لكن حين يتخلى الرجل عن واحدة منها سيتخلى بالتأكيد عن احتواء المرأة والدفاع عنها في حالات الخطر، وفي مواقف ضعفها، وسيقبل على نفسه التلاعب بمشاعرها دون أدنى إحساس بالذنب أوتأنيب الضمير. وهذا النوع من التلاعب جعل المرأة أيضا تستعمله انتقاما لأنوثتها المغتصبة أمام رجال يتلذذون بالكَم الهائل من الضحايا.
تخلي الرجل عن المرأة في مواقف الضعف أو غيرها هي من مآسي العصر، ومن مسببات العقد النفسية، والإضطرابات الخطيرة. لِنُعِدْ إذن الثقة بين الطرفين، على الرجل التحلي بصفات الرجل الأمين القوي. عليه الإبتعاد عن استغلال المرأة وكأنها لا شيء. المرأة هي كالرجل تحلم بتحقيق طموحاتها فتصيب أحيانا وتخطيء أحيانا أخرى. هذا ليس تنقيصا من شأنها أو تصغيرا لشخصها. فإن أخذ هذا بعين الاعتبار فسيجد فيها الأم الطيبة، الزوجة الصالحة، الأخت الحنونة. سيقل الصراع.
المجتمع اليوم كساحة قتال. الجنود المتقابلون هم النساء والرجال. لن يربح أحد في هذه المعركة. الخسائر هم الرجال. هم النساء. هم الأطفال. هو المجتمع بجميع أطيافه. فمن يا تُرى الرابح الفعلي من وراء هذه الحروب؟
بقلم : سلوى الغرظاف
كاتبة وشاعرة مغربية بالمهجر
مقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية