بقلم : سلوى الغرظاف
جواز السفر
انتابتها فرحة عارمة حينما أرسلوا لها رسالة تخبرها عن موعد حفل تسلم الجنسية. فرحة أنستها تعب السهر والقلق أثناء مراجعتها ذلك الكتاب. كتاب يحمل في طياته كل المعلومات الضرورية للإمتحان. كانت مضطرة لحفظ كل صغيرة وكبيرة خوفا، طبعا، من الرسوب. وهذا كان قد يدخلها في دوامة إعادة الإمتحان أو الإمتثال أمام القاضي، كي يتسنى لها الحصول على جنسية بلد إقامتها الحالي. جنسية ستُعفيها من طلب التأشيرات ومما يشمل ذلك من تعقيدات إدارية وطول انتظار …
ذهبت إلى حفلة تسلم الجنسية وكانت واحدة من المئات … الكل يرتدي أجمل الملابس والفرحة تشع من كل العيون … ترقص تغني تصرخ في صمت …”نعم … لقد نلتها … نعم” … مر الحفل سلسا وبسيطا.
عادت إلى البيت مسرورة. وماهي إلا بضعة أسابيع حتى كانت قد أعدَّت كل ما يلزم للحصول على جواز السفر … الذي طالما حلمت به … كأن المستقبل مقرون به. نعم، تحقق الحلم وجواز السفر صار جاهزا بين يديها … بين الفينة والأخرى تفتحه … تتفقَّد إسمها وجنسيتها الجديدة.
ظلت على هذا الحال سنوات طويلة … توفي فيها الأب … الأم … الجدة … العمة … الخال … و … و … و … تزوج من تزوج … مات من مات … ازداد من ازداد … كبر من كان صغيرا؛ وشاب من كان شابا … وظل ذلك الجواز في نفس المكان، مهجورا في ذلك الدولاب.
سِنون مضت وهي لديها جواز السفر، لكن … أين هي تذكرة السفر؟ … نعم لديها جواز السفر، لكن … المرض أنهك جسمها ولم تعد تقوى على السفر. نعم لديها جواز السفر، لكن … . هناك من لم يعد له وطن … أصبحت لديها مسؤوليات … مشاكل … معاناة الغربة التي كانت تمنعها دوما من السفر …
والآن صار بإمكانها السفر … لكن، لم يعد لها أحد تزوره هناك أو هدف يدعوها للسفر. ورغم هذا وذاك، يظل الحصول على جواز السفر شيئا جميلا، لمن استطاع السفر … والصبر … لمن يحترق حنينا إلى الوطن.