لا يعرف الموت طريقا إلى المبدع الحقيقي، ربما يأكل جسده لكن روحه تظل حاضرة بين محبيه، وتضمن بصماته المميزة له الخلود في وجدانهم، لهذه القائمة ينتمي المطرب المصري محمد عبدالمطلب، صاحب الرحلة الفنية الصعبة، الثرية بالعديد من الأعمال الرائعة.
يصادف، الأربعاء، 21 أغسطس/آب رحيل عبدالمطلب، في عام 1980، عن 70 عاما، تاركا خلفه سيرة طيبة وأعمالا مصنوعة بحب، اعتمدت على خلطة متوازنة من الاختيارات الذكية والحضور الطاغي؛ ليسكن ويتمدد في قلوب الأثرياء والفقراء على حد سواء.
ولد المطرب الشعبي محمد عبدالمطلب عبدالعزيز الأحمر 13 أغسطس/آب 1910 في مدينة شبراخيت بمحافظة البحيرة، لأسرة محافظة جدا دفعته لحفظ القرآن في سن صغير، وبعدها أدرك امتلاكه صوتا جميلا وموهبة مميزة في الغناء.
لعبت الأقدار دورا في دخوله المجال الفني، إذ جمعته بالفنان داوود حسني الذي أعجب بصوته وقرر ضمه إلى تخته الغنائي؛ ليتتلمذ على يديه وتبدأ رحلته في عالم الطرب.
موهبة عبدالمطلب تطورت مع الأيام، ساعدها في ذلك طموحه وجده لصعود سلم المجد، فبذل مجهودا كبيرا تكلل بقبوله للعمل في مسرح بديعة مصابني 1932، الفنانة صاحبة الشهرة الواسعة وقتها، ثم عمل “كورس” بفرقة الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب؛ لتدشن كل هذه التجارب داخله “روح الفنان”، وأهلته لمواجهة الجماهير.
نشأت علاقة طيبة بين عبدالمطلب والموسيقار محمود الشريف، وقدما معا مجموعة من الأغنيات الناجحة، أبرزها: “بتسأليني بحبك ليه” في أوائل ثلاثينيات القرن الـ20، التي كانت سببا في نجوميته وانتشاره بشكل كبير.
بعدها توالت أعمال المطرب الشعبي، أبرزها: “تسلم إيدين اللي اشترى”، “يا أهل المحبة”، “ساكن في حي السيدة”، “مابيسألش عليا أبدأ”، “الناس المغرمين”، “شفت حبيبي” و”رمضان جانا”.
في عز نجومتيه قرر عبدالمطلب اقتحام مجال التمثيل، والبداية كانت عام 1942 في فيلم “علي بابا والأربعين حرامي”، ثم مشاركته في بطولة مسرحية “يا حبيبتي يا مصر”، تبعها فيلم “تاكسي حنطور” 1945، و”بنت الأكابر” 1953 ثم “بنت الحتة” 1964، وتوالت أعماله وتنوعت أدواره.
لم يتوقف الفنان الشامل عند هذا الحد، فجازف وخاض تجربة الإنتاج السينمائي، مقدما 3 أفلام هي: “الصيت ولا الغنى”، “5 من الحبايب” و”المتهم”.
عُرف عن عبد المطلب، رغم ملامحه الحادة، طيبة قلبه وعشقة للفكاهة، لذا كان “العندليب الأسمر” عبدالحليم حافظ حريصا على صداقته والاقتراب منه، وكذلك فريد الأطرش الذي تعاون معه فنيا من خلال عدد كبير من الأغنيات، وعُرف عنه أيضاً حبه الشديد لكرة القدم، وعشقه لنادي الزمالك.
خلال مسيرته الفنية التي امتدت عقودا عدة، نجح عبدالمطلب في تأسيس مدرسة غنائية تحمل بصمته وطريقه أدائه، وعلى قواعدها نشأ جيل من المطربين الكبار مثل شفيق جلال ومحمد رشدي ومحمد العزبي.
بلغ رصيد المطرب الشعبي، ما يزيد عن 1000 أغنية بداية من “بتسألني بحبك ليه” ووصولا إلى “اسأل عليّ مرة”، وكرمته الدولة بتقليده وسام الجمهورية من الرئيس عبدالناصر عام 1964.
تزوج الفنان الكبير 3 مرات، الأولى من عائشة عز الدين عام 1938 بعدما تعرف عليها في بيروت، وأنجب منها نور وبهاء، ثم انفصل عنها وتزوج من المطربة نرجس شوقي التي أسس معها شركة إنتاج فني، لكن هذه الزيجة لم تدم طويلا وانفصلا بعد 4 سنوات فقط، ليتزوج من كريمة عبدالعزيز 1954 وأنجب منها انتصار وسامية.
بوفاة ابنته انتصار وهي في عز شبابها عام 1979، مرض عبدالمطلب وتدهورت صحته ليرحل عن الحياة عام 1980 بعد رحلة من العطاء والحب والغناء، أخلص خلالها لجمهوره ومبادئه التي تربى عليها.