كان صوتها يٌسمَع من آخر الحارة. الكل صار يعرف شخصيتها العنيدة المتسلطة، والكل سمعها تلك الليلة حين قالت له: ”أخرجها من بيتنا، لا أريدها معنا هاهنا، هيا طلِّقها!“
كعادته لم يتفوه بأية كلمة … ظل صامتا ويداه ترتعشان من الخوف … من الضعف … و قلة الحيلة … أمام امرأة نرجسية. ارتباطها به المبالغ فيه إلى حد التملُّك وَلًّدَ ذاك التعلق اللَّا معقول. وكأنه موجود فقط لإرضائها؛ فأصبح رهينة لأسلوب التلاعب أحيانا والشعور بالذنب أحيانا أخرى …
إِلتَفَتت إليه بنظرات تصغيرية مرددة له: ”ها السخط ها الرضا … إن لم تفعل ما أقوله لك. فلم أعد أريدها زوجة لك، هل تسمعني؟ سأختار لك أخرى أجمل منها … اتركها تلتحق باللواتي قبلها … أيُرِدن أخذك مني؟ أنا أمك من تعبت في تربيتك … هل فهمت؟“
وقف متسمرا في مكانه، ذائبا في ضخامة اللحظة ومنصهرا في وجعها … الطلاق مرة أخرى … كيف سيطلق زوجته التي يحبها؛ ما ذنبها؟ فهي لم تقترف أي ذنب يستدعي الطلاق. وما مصير أطفاله؟ صار يدعو: ”ياإلهي ماذا سأفعل؟“ لكن ظلت عبارة ”ها السخط ها الرضا“ كابوسا مخيفا يثقل ضميره مخافة العقوق الذي قد يذيقه عذاب جهنم .
نتساءل ”لماذا يعيش الأبناء في جحيم إرضاءً لآبائهم أو أمهاتهم في قرارات تخصهم بحجة طاعة الوالدين؟ أليس المطلوب فقط البر بهم والإعتناء بهم وليس إرضائهم في السلوك المؤذي؟ لماذا نلغي وجود أبنائنا فنمحو شخصيتهم فيظلوا صغارا وغير ناضجين مدى الحياة؟ هل هم فلذات أكبادنا أم قطع نمتلكها مثلها مثل أثات البيت نتحكم في تشكيلها على حسب مزاجنا؟“
كل شيء انعكس سلبا عليه. تحطمت حياته وحياة عائلته. تم الطلاق ولم تكن هذه هي النهاية؛ كانت بداية لمشاكل عدة بلا نهاية.
فظل نفس التساؤل يراوده بين الفينة والأخرى تذمرا على ما آل إليه حاله من سلبية قاتلة … شخصية منعدمة … رافضا لكل هذا في قرارة نفسه …
لِمَ نربي أبناءنا على الطاعة المغلوطة؟ لِم لا نقبل منهم أن يتخذوا قراراتهم بأنفسهم وليتحملوا بعدها مسؤولية قرارتهم بإيجابياتها وسلبياتها؟ ننصحهم، نعم؛ نُجبرهم على تطبيق وجهة نظرنا، فلا.
لو كان ذاك الإبن يستطيع السيطرة على نفسه فيحس بأنه مستقل … وبأنه حُر … وسَيِّدُ نفسه وقراراته … ما كان ليستسلم لقواعد السيطرة فيُطلِّق زوجته … كان سيستطيع الملاحظة لفهم من تلقاء نفسه؛ وليس لأمه أو أبيه آنذاك أن يؤثرا عليه ليغير مجرى حياته … سلوكه … وأفكاره.
عبارة ”ها السخط ها الرضا“ تكون مرات عديدة سببا في هدم البيوت وتفريق الأزواج … للإستغلال … للتخويف … ولطمس دور العقل فيستسلم إلى سبات عميق، خوفا من العقوق …
فطاعة في حدود … وعقل بدون قيود.
بقلم : سلوى الغرظاف
كاتبة وشاعرة مغربية بالمهجر
مقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية