بقلم: سلوى الغرظاف/ فن سبور
يظل اختطاف الأطفال جريمة غير أخلاقية وغير إنسانية في كل المجتمعات. حين يتم خطفهم من عهدة آبائهم الطبيعيين. حين يتم نزع فلذات الأكباد من أحضان آبائهم على غفلة وبدون سابق إنذار. يتمنى فيها الآباء لو يموت طفلهم بين يديهم وأن يعرفوا مكان قبره، على أن يعيشوا لحظات الجحيم وهم يتصورون طفلهم بين أيادي ملوثة تنهش جسد الصغير وتقرر أن تضع حدا لحياة الطفل بالشكل الذي تريد. الجحيم حين تتخيل صوت الطفل وهو، أو هي، يصرخ، تصرخ، يستغيث، تستغيث، هل من منقذ؟ جسدي صغير ولا يتحمل الاغتصاب وعقلي لا يتقبل ولا يستوعب ما يحدث.
سواء كان الاختطاف لغرض الابتزاز للحصول على فدية. أو لغرض التبني الغير قانوني حين يتم سرقة الطفل وبيعه لمن يريد تربيته. أو حين الاتجار بهم، الاغتصاب، بيع الأعضاء، أو الشعوذة. فكل هذا من أبشع الجرائم في حق الطفولة.
لست أدري إن كان أصحاب القرار قد وضعوا استراتيجية لحماية هؤلاء الأطفال من الكلاب المسعورة. أم أن الطفل بمجتمعنا رخيص وبلا قيمة؟ ما هي الخطوة القادمة؟ وهل سننتظر وقوع حصيلة جديدة من الاختطافات؟ وسقوط مزيد من جثث الأطفال بالخلاء والمزابل وبين الصخور في الجبال؟
هل سننتظر حتى يغتصب كل أطفالنا؟ لا البيوت عادت آمنة ولا الشوارع ولا المدارس ولا حتى دور حفظ القرآن. إلى أين سنهرب من هؤلاء المتوحشين؟ من أعطى لهؤلاء المجرمين تلك القوة والشجاعة في اقتحام حياة أطفال أبرياء وتغيير اتجاه حياتهم المفترض أن تكون في كنف آبائهم؟ لماذا هم كذلك وأي مرض هذا الذي فيه أذى للغير؟ إن لم نقل بأن هذا إجرام وعقابه إعدام بلا رحمة ولا شفقة ولا تبرير للداعي وراء هذا الإجرام.
لقد فشلت التنشئة الاجتماعية و فشلت السلطة في حماية الطفل من أصحاب عقدة الجسد والجنس ومن عصابات الاتجار في الأطفال. الطفل الذي يُغتصب في طفولته، يُغتَصب حقه في العيش براحة نفسية وأمان. حالات كثيرة مسكوت عنها. يتعرض كثير من الأطفال للتحرش والإغتصاب في ورشات العمل ومن الأقارب والجيران دون علم أحد.
المُغتصِب يُخرج الطفل كرها من طفولته. يجعل منه راشدا يحمل ذنب جسده. يكره المجتمع بكل أشكاله. المُغتصِب حين يقرر أن يحرم الطفل براءته، استقراره، ثقته فيمن حوله. فهو يؤذي المجتمع بأكمله. لهذا المُغتصَب يصبح غالبا مُغتصِبا.
مع انتشار ظاهرة اغتصاب الأطفال، عادت المطالبة بتدريس التربية الجنسية في المدرسة. هل يمكن أن يعطي ذلك نتيجة جيدة؟ كثير من يرى أنها قد تساعد الطفل في اتقاء هذه الآفات. ونحن لا نشك في نوايا بعض الغيورين على أطفال هذا الوطن. لكن، هل يعلمون أن من الذين من ينادي بالتربية الجنسية لا تهمهم مصلحة الطفل بالدرجة الأولى بقدر ما تهمهم مصالحهم؟ بل إن بعض المنادين بذلك لهم خلفية مظلمة تخفي وجوها فلا نرى ملامحها؛ وكأنهم يخططون لجريمة شنعاء تحت شعارات براقة.
فهل سنُعلم الطفل التربية الجنسية لحمايته من الإغتصاب؟ أم سَنُعلمه كيف يطبق دروسه مع أقرانه في فلتات النهار؟ نترك المشكل الحقيقي والذي هو حالات الاختطاف والاغتصاب المتكررة دون عقاب شديد. وينال المغتصب أحيانا حكم التخفيف وأحيانا يصدر في حقه العفو. فالسجن أيضا درجات. هناك سجين يناضل من أجل العيش بشرف. وهناك سجين يغتصب حق الآخر في العيش بشرف. لكن الظلم الحقيقي هو عندما يكون المغتصِب أوفر حظا من الشريف.
هل التربية الجنسية ستفيد الأطفال حين الاختطاف والاغتصاب؟ هل سَتحميهم من شر المجرمين ومن عبث القوانين؟ أم أنه مهما كانت قوة الإنسان والدروس التي تلقن في فنون القتال، لن تستطيع التغلب على من يحمل بيديه سلاحا، ويديك أنت فارغة؟ الدروس ستعلمك كيف تطبقها على غيرك وكيف تجربها. لكن! في حالة الخطر، لا تحمي الدروس صاحبها من أذى الوحوش.
لماذا لا نتساءل، أين دورنا في حماية أطفالنا؟ جميعنا، بدءا بالآباء، المدرسة، الشارع، الجيران والأمن. لن نلوم الأم وحدها على تقصيرها، فكم من أطفال اخْتُطفوا من عتبة بيوتهم.
هل تفاقم حالات الطلاق قد يعطينا مغتصبين؟ هل صورة الأب التي كُسر إطارها، وقل شأنها في عين المجتمع، تعطينا أطفالا هشة ثقتهم بأنفسهم؟ هل خلق العداوة بين النساء والرجال هي السبب؟ هل إهمال الأمهات وعدم تلقين الطفل قيمة الأخلاق هو السبب؟ ما هو معلوم هو أن تلك الوجوه المختبئة في الظلام تعي ما تفعل بشكل مدروس ومخطط له. تلك الوجوه لا تريد خيرا بأطفالنا ولا بوطننا.
الإنسان لا يمنح حقوقا مهما غرد. بل القوانين الصارمة من تفرض ذلك. مجتمعنا يحتاج لقوانين صارمة للحد من آفة الإغتصاب، أو غيرها من الآفات الكثيرة بزمننا البئيس. نحتاج لِآباء متحابين متسامحين لتربية طفل خال من الشوائب النفسية. نحتاج لِعدالة نزيهة وصارمة. نحتاج الرجوع لقانون الله بلا تعقيد لِدينه، ففي القرآن جواب لكل سائل. نريد مزيدا من الخوف من الله في السر والعلن. نحتاج للأخلاق والقيم والضمير.
التربية الجنسية ليست هي الحل. الحل هو إعادة مكانة الأسرة إلى مكانها المقدس. هو تحسيس الأمهات لدورهن في زرع القيم والأخلاق بأطفالهن. هو منح أطفالنا الراحة النفسية والاستقرار بدل الإهمال. هو اقتراب الآباء من أبنائهم والتحدث معهم عن كل الأمور بطريقة صحيحة ودون خجل.
لا تُشغلونا بأجسادنا. لا تُعلموا أطفالنا كيف يلعبون بأجسادهم الصغيرة وكيف يفكرون في حدود أجسامهم. أطفالنا يحتاجون للتربية والعلم والأخلاق. يحتاجون لمن يأخذ بيدهم. لمن يساعدهم على شق الطريق نحو المستقبل. لمن يعزز ثقتهم بنفسهم. هكذا الطفل سيكون قادرا على مجابهة الحياة، ويصبح مواطنا صالحا ومنتجا. أطفالنا يحتاجون لِمجتمع أصلي غير مزورة ملامحه. ولا أنغام موسيقاه. ولا شكل لباسه ولا لهجة كلامه.
نحن مجتمع تاه الطريق. مجتمع يبحث عن المغتصِب، الذي هو موجود بيننا ومعنا. في حين أن المغتصِب، بذريعة العدالة، يناضل من أجل حقوق المغتصِبين. نحن مجتمع يلوم ولا يقبل اللوم على ما نحن فيه. نحن مجتمع نغطي البشاعة بالمساحيق. نرسم زهورا على حائط المزبلة ويستعصي علينا تنظيف الأزبال. نضلل المارين بلوحة رائحتها تعبر عن مستوى من يقبل بالبشاعة كلوحة. وبِالمُغتصب كضحية. وبالتربية الجنسية كقضية.
العودة للأخلاق و لدستور الله والصرامة في إنزال العقوبات سَتحمي أطفالنا من شياطين البشر. سيلعب صغارنا مع أصدقائهم في آمان بدل من شغلهم في اكتشاف أعضائهم الصغيرة وطريقة عملها. فلكل عُمر طريقة تعامل. ولكل أمر حدود وضوابط.
نحن مع التربية السليمة للأطفال. مع إعادة تربية من يربون أولئك الأطفال. مع إعدام كل مغتصب يؤذي صغيرا، وكل مختطف طفل أو طفلة للشعوذة أو لبيع الأعضاء. نحن مع توفير ظروف عيش لائق لكل طفل، توفير أكل صحي، تعليم بجودة عالية، توفير العلاج دون المرور بمررات العصابات و سفاكين الدماء والجيوب. ارحموا أطفالنا من جحيم الحرمان والتذليل والتصغير.
يا أعداء الطفولة! لنرسم الورود على جدران نظيفة، بدلا من إخفاء المزبلة بريشة وألوان. وإخفاء رائحة الوساخة بِماركات عطور ثمينة.