بقلم: سلوى الغرظاف / فن سبور .
الأطفال مثلهم مثل الكبار، يحتاجون إلى لقاءات عائلية بين الفينة والأخرى. لكنه من الصعب خلق جو عائلي بالغربة. وهذا لا يعني أن تعيش وحيدا بعيدا عن الناس مهما كانت الأعذار.
يختار بعض المهاجرين وضع الحدود مع غيرهم تفاديا للمشاكل. مشيا على المقولة المتداولة والمشهورة بين المغتربين “إبتعد عن اكْحَل الرَّاس” عبارة تنشر مفهوما خاطئا عن الاختلاط بأبناء الجالية. وكأنهم جذام معدي، أو فيروس مؤذي.
يحتاج المغترب إلى خلق أجواء عائلية من أجل أطفاله. يعلمهم فيها حب الآخرين. حب الأصل بالرغم من اختلافاته. يعلمهم حب التعاون وصلة الرحم حتى لو كانوا مجرد معارف أو أصدقاء.
بما أن المغترب يحتاج إلى الأجواء العائلية لنزع ذلك الإغتراب المؤذي للنفس، فهذا يمنحه لا محالة بعضا من السعادة، الفرحة، والارتياح ولو مؤقتا.
اللقاء بالناس لن يُورطك بالضرورة في مشاكل مع الغير. إنه جزء من إنسانيتنا. لأننا لسنا مجرد أجساد، بل بداخلنا أرواح تعشق الحياة الإجتماعية. فهي تضفي البهجة والإستئناس في قلوبنا.
ما يفسد العلاقات الإنسانية هو وضع أسرارك لدى الغير. تظن أنه لن يفسد في الود قضية أو تعتبر كل الناس أصدقائك. فتبوح بمشاكلك ومشاكل غيرك لهم. كأنه عربون محبة وبداية لتوطيد العلاقة و الصداقة. فبمجرد وقوع خلاف، حتى لو كان بسيطا أو تافها، فسيكون الإنتقام شرسا. إنهم يملكون دلائل ضدك. فأنت من وضعها في يدهم بكامل الرضا والقناعة؛ على أساس أن صداقتك بهم غير قابلة للتغيير.
أنت من اعترف بعيوبه ونقط ضعفه للغير. أنت من تحدث لهم عن حياته الزوجية وتفاصيلها. عن الأزمات المادية وشدتها. أنت من تكلم عن هذا، ونمم في هذا. أنت من عرى نفسه أمامهم، وكأنهم نفسك التي تَتقبلك بعيوبك. يسهل استغلالها كسلاح ضدك في الوقت المناسب. إن لم تستطع كتمان أسرارك أو أسرار الغير، فلا تنتظر من غيرك الكتمان بكل ما تبوح به له.
لكن ليس حلا عزل أنفسنا أوعزل أطفالنا عن ممارسة حياة طبيعية. فقد يضطر البعض إلى تعويض الأهل والأقارب ببعض الأصدقاء.
ليس معقولا اتهام كل أبناء الجالية بأنهم يخلقون المشاكل ويزرعون الفتنة فيما بينهم. فهذا قد يؤدي إلى حرمان أطفالنا من زيارات ولقاءات اجتماعية.
كلنا بداخلنا إنسان رائع. يمتزج فيه الروح بالجسد. ولن نكون يوما مادة صلبة. كلنا بداخلنا مشاعر وأحاسيس صادقة، لأننا من مجتمع يملؤه الحب والصفات الطيبة، رغم الصراعات واختلاف الأفكار. تظهر ملامح الخير، جلية في المواقف الصعبة.
لنتحمل مسؤولية نمط تفكيرنا ومسؤولية تغييره للأفضل. لنتعلم أن خلق السعادة مع الغير لا تحتاج إلى البوح بالأسرار وكشف الخصوصيات. بل تحتاج إلى ذكاء حسن التصرف. تحتاج إلى ممارسة أنشطة وإلى مناقشة مواضيع مشتركة تهمنا وتهم أطفالنا. هكذا سنساعد جاليتنا على المضي إلى الأمام.
أبناء الجالية هم الونس لنا ولأِطفالنا. هم الإعتزاز والسند لظهورنا. هم الأهل وهم الجيران. لنتعامل بالحسنى والحدود. لا يجب أن نحكم على بعضنا مما نسمع من كلام الناس. فلا ينبغي لنا أن نظلم بعضنا البعض في لحظة غضب. لنترك تلك اللحظة تمر مرور الكرام. فيكفينا أننا في وطن بلا أهل. وهل من عزاء أشد وأقسى منه لنا؟