بقلم الدكتور أسامة ال تركي / فن سبور
هذه أول مرة في حياتي، أقف أمام قلمي وأعجز عن الكتابة، ولا أعرف من أين أبدأ أو إلى أين أنتهي، فقد عجز قلمي أن يعبر عن مافي داخلي وأنا ولله الحمد لم أعجز في يوم من الأيام أن أكتب وأعبر عن مافي داخلي ولم أرتجف عندما أحاضر أمام الآلاف من البشر، أو عندما أقف أمام الكاميرات ولم أتلعثم أمام الملوك و الرؤساء بل على العكس، ينطلق لساني وأقول مافي داخلي، ولكن عندما يكون الموضوع يخص السيدة الفاضلة أمي، هنا أقف عاجزا عن إخراج مكنونات قلبي فأناديها بأعلى صوتي لعلها تسمع آنات قلبي.
يا أغلى إسما في الوجود يا نهر الحب والحنان، أتخيل نفسي وأنا طفل صغير ترعاني وتخاف علي، كيف كنت تسهرين الليل ولا تنامين عندما أكون مريضا، كيف كنتي تتألمين وفي وجهك أحزان العالم عندما فارقتك لإكمال دراستي في الخارج، ولم ينقطع دعائك لي في أي يوم من الأيام، كيف كنت تتعاملين معي ولم تشعريني في يوم من الأيام بأنني كبرت وظلت تلك النظرة أمام عيناي، حتى أصبحت جدا وعندي من الأحفاد ولكن ظلت تلك النظرات تصرخ في داخلي بأنني طفلك المدلل.
نعم أمي، التي افتقدتها في ليلة لم تشرق عليها شمسها، ولم أستطع تخيل بقية حياتي من غيرها، كيف أعيش وقد انقطع عني نهر الدعاء، كيف أكون من غيرها، كيف يكون طعم الحياة بدونها.
عندما كنت أشعر بالضعف تعودت أن أرمي همومي على صدرها وأغوص في وجدانها فأنسى هموم الحياة، وبكلمتين منها أستمد طاقتي وشجاعتي، فأنت آية من آيات الرحمن، لأجلك يا أمي خلق الرب الجنان وجعلها تحت أقدامك، علمتيني أن أكون شامخا كالجبل الصامد، علمتيني بأن العطاء فعل قبل أن يكون قولا، علمتيني أن المروءة والشهامه لا تقتصر على الرجال، وأن هناك امرأة بمائة رجل، علمتيني بأن الرجل الحقيقي هو من يوقر المرأة المخلصة ويضعها تاجا على رأسه، علمتيني بأن الخير وحب الناس هو الذي يبقى، وأن الوحدة ثقيلة مثل الصخور جاثمة فوق الحنايا، كنت لي مدرسة تعلمت منها معنى الحياة الحقيقية.
أنت أيتها الفاضلة بنظر الناس أمي لكن بنظري أروع ملاك، ياليتني أهديك عمري يا تاج الزمان، ياصدر الحنان، ياصاحبة القلب الكبير والوجه الصبوح، فأنت الحبيبة الغالية، وأنت الأم المثالية، أمي يامن غرست حب الله في فؤادي، ورسخت عقيدة التوحيد في أعماقي، وكنت معلمة في الأخلاق وأختا في النصح والإرشاد، لو كان للحب وسامآ، فأنت بالوسام جديرة، ياصاحبة القلب الكبير، والعقل الرزين، إني مدين لك بكل ماوصلت إليه وما أرجو أن أصل إليه من الرفعة، أمي الملاك أمي ياقمرا أضاء ظلام عقلي، وأضاء لي طريقي في الحياة، ياشمسا أذابت جمود قلبي، وفجرت ينابيع الأمل .
كيف بعد هذا كله أجد نفسي وحيدا، متى أفيق من هذا الكابوس الذي يطوق عنقي، ذكرياتك منذ الميلاد وحتى آخر يوم بالعمر تحاصرني في كل مكان، وكلماتك ترن في أذني في كل لحظة، كيف أتخيل الدنيا خالية من طلعتك البهية وكيف كان هاتفك ينقل لي صوتك الحبيب الدافئ، ربي إن قلبي لا يتحمل فراقها فهبلي من نفحاتك مايخفف عني ألم فراقها، لا يوجد شيء في هذه الدنيا يعوضني عنها، أقولها لكل محظوظ مازالت أمه تعيش معه فحرقة فراقها لا يشعر بها غير المفارق، فيقوا وعيشوا تحت أقدامها فوالله مايصيبك مكروه وهي راضية عنك، ومهما بلغت أخطاءك فلن ينجيك من تلك العواقب غير دعائها، أقولها والقلب يدمي على فراقها ولا شي يعوض مكانها.