الإيجابية الغائبة

0 32٬644

بقلم: سلوى الغرظاف   / فن سبور

عُدنا اليوم نعيش حياة ومشاكل الغير. ولم نعد نسعد بِلحظاتنا الجميلة. لأن تعاسة الآخرين تقتحم صفو حياتنا. حولتها للحظات مخنوقة وحزينة.

عُدنا نحمل هموم العالم بأسره. بعدما كنا نحمل همومنا فقط.  صرنا نتفقد أخبار ذلك الوطن ونسأل عن أخبار الوطن الآخر وكأننا ملزمون بالسؤال والقلق على الجميع.

عادت الابتسامة لا تطول على وجوهنا. ما تكاد تأخذ راحتها حتى تسمع خبرا، أو تقرأ موضوعا سرعان ما يُحَول تلك الملامح المبتهجة لعبوسة شديدة. يتعذر على الابتسامة المسلوبة العودة إلى مكانها من قسوة ما ينشر سواء كان حقيقة أم كان مبالغات لا أكثر. لكن تظل الأخبار السلبية أو المحزنة تؤثر سلبا على نفسية الإنسان مهما حاول التهرب من أذى الخبر ومن بقاياه.

الصفحات الرسمية لكل إنسان بمواقع التواصل الاجتماعي أصبحت هي واجهة البيت. هي صالة الضيوف وهي قاعة الاستقبالات. تجد بها باب الخروج لمن يتم الطرد في حقه. وهناك المنع من دخول الغرف الخاصة.

كل هذه الأشياء الدخيلة. كل الرحلات الثابتة التي تتنقل فيها بمكانك تتفحص بيت هذا وذاك، هي مجرد خدعة للبشرية. هي لِتنفير الناس من بعضها البعض. وضع فجوات واسعة تستهدف التعثر والسقوط في مجموعة من الحفر وحتى المستنقعات أحيانا. هي وسيلة جديدة لقتل الإنسان وحيدا. نوع جديد من الموت.

نشك أحيانا في مصداقية الأخبار وفي المروجين لها. خبر تلو الآخر، اختطاف، اغتصاب، فقر، جهل، قتل  و… و … إلى أين الوجهة؟ ما الهدف من نشر البلبلة السلبية ومن تبادل رشق البعض بالمسؤولية وبالذنب؟ هل الهدف هو إبقاء الناس مشغولة بحياة الغير؟ هل هو إعطاء صورة متسخة عن المجتمع الحالي؟ هل هو نشر صور مقززة عن المجتمع للعلن؟ أم الهدف هو تدمير ما تبقى في الإنسان من إنسانية؟ أم هو خلق مجتمع جديد بمعايير عالمية فاسدة؟

يستحيل أن تسمع أو أن تشاهد معاناة الآخرين، سواء كانت حقيقية أو مجرد أدوار يلعبونها، دون أن تتراجع للوراء وتفقد الرغبة في الحياة. و تترسخ بذاكرتك تلك اللحظة المليئة بالغضب والحقد على الأوضاع.

ما وصلنا إليه من انحطاط أخلاقي، تعليمي، تواصلي، ليس سببه الفقر. بل الجهل وانعدام الكرامة. ننتظر من الآخر أن يجد حلا لمشاكلنا وكأننا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهم مَن أحق بالسؤال و بالمبادرة. ننتظر دعم الآخر، وماذا نحن لأنفسنا فعلنا؟ ننتظر من يعترف بـِمتطلباتنا، بحقوقنا، بِثرواتنا، ولا نفكر ولو للحظة ماذا أعطينا نحن؟ ما هي واجباتنا؟ أين هي قوتنا؟ ولماذا كلنا نتشابه في العِلة؟ لماذا نتشابه في نفس الأفكار، في نفس الرؤية، في نفس لغة الحوار، وفي نفس ردود الفعل حين الغضب؟

 

منهجية عالم اليوم لها الدور الكبير في إنتاج نوعية معينة من البشر. المسؤولون عن الريادة يزيدون من الضغط على الإنسان لإسقاط الجميع في قاع الانحطاط بأشكاله وأنواعه. لنحارب السلبية السائدة بمزيد من الإيجابية الغائبة.

 

بقلم: سلوى الغرظاف

Loading...