بقلم: سلوى الغرظاف/ فن سبور
يركبون قوارب الموت. يغامرون بأرواحهم وسط الأمواج الهائجة. أعمارهم متفاوتة. يغامرون من أجل تحسين ظروف العيش. يحملون أجسادهم وأحلامهم الوردية فقط. ولا يحملون بين أيديهم أي شهادة علمية، حرفة يدوية، أو حتى برنامج لِخطواتهم المستقبلية التي يغامرون من أجلها أمواج البحر. يظنون أن ركوب موج البحر سَيوصلهم إلى الضفة الذهبية. ضفة الحقوق وفرص العمل. ضفة العيش الكريم. الاحترام وتنوع الحريات. هذا ما يظنون.
شباب ضائع بين ضغط المجتمع. بين الكسل والانحراف أحيانا وبين الهجرة. الحلم والوهم.
إن لم يعمل الإنسان بوطنه أولا فلن يعمل بأوطان الآخرين. الرغبة في تحسين الأوضاع ليست عيبا، وهي غير مرتبطة بتغيير المكان. أن تؤجل تحسين وضعيتك بحجة أن الوطن هو العائق، وانتظار فرصة ركوب قارب النجاة لتنطلق نحو العمل والاجتهاد، وَهْم آخر يضاف إلى مجموعة من أوهام أولئك الشباب.
كثير من الشباب لا يعرف لماذا يريد الهجرة. يتكلمون بنفس الصيغة وبنفس الأسلوب مهما تغيرت مناطق سكناهم “ما كاين ما يدار في هاذ البلاد”. وهل هناك من حاول إثبات نفسه مرة واثنتين وثلاثة؟ هل يمكن للإنسان أن ينجح بسهولة دون المرور بمراحل صعبة؟ ألا نفقد أحيانا الرغبة في إكمال الطريق نحو النجاح؟
الهجرة بلا هدف تضيع على الإنسان فترة من عمره هباء منثورا. كثير هم من نجوا من أمواج البحر واستطاعوا الوصول إلى الضفة الأخرى في أمان، لكنهم لم يحققوا ما كانوا يظنونه سهلا. هناك من يظن أن الإنسان الغربي غبي وسهل التحايل عليه. فلو كانوا كذلك، ما كانوا استطاعوا استعمار الأوطان و استغلال الثروات وَالآنام.
بوادر النجاح تبدو ملامحها على الأشخاص قبل أن تطأ أقدامهم قوارب الموت والأحلام. من يجتهد ويعمل فإنه يبدأ بأبسط الأعمال و لا يتقيد بزمان ومكان. الوصول لا يكون مفرحا دائما إن كنت لا تملك سوى الحلم بالوهم. التخطيط للرحلة جزء من النجاح. وبداية النجاح قد نبدأها من الوطن ونُتممها ببلاد المهجر. بلا رمي لِلمسؤولية على الوطن وحده وكأننا مكتوفي الأيدي لا نملك القدرة على تغيير بعضا من مشاكلنا. الهجرة اليوم تختلف عن الأمس. الظروف اليوم تختلف أيضا عن الأمس. الفرص اليوم ليست كالتي كانت بالأمس. ماذا تحمل بين يديك لتواجه به مصاعب الغربة؟ ماذا ستقول لهم إن سألوك لماذا قَدِمت إلينا عبر قوارب مهترئة؟ وعن ماذا تبحث عندنا؟ السماء لا تمطر ذهبا. والذكاء لا يُباع بالمتاجر. والفرص تعطى لمن يتعب عليها، وليس لشباب يفتقد إلى تجربة الحياة. يفتقد لِلعلم والنباهة ويظن واهما أنه شخص نادر الوجود. شباب يريد تغيير المكان وحده، ويرفض تغيير منهجية حياته.
هناك من يريد الهجرة وكأنه مسافر في نزهة. فبمجرد الوصول ستنتهي معاناته وتتحسن نَفسيته المُتعبة من قسوة الوطن. استيقظوا أيها الشباب من غفلة الجهل بتغير الحياة. لقد انتهى زمن الفرص المجانية. نحن بعهد العلم والاجتهاد والتخطيط للمستقبل بسنوات. نحن بعهد التفكير قبل ركوب قوارب الموت البئيس. قبل ضياع أرواح شباب أوهَموهم أن الهجرة الغير قانونية حل للفرسان الشجعان. وكم من فرسان وصلوا ورفضوا النزول للمعركة والمقاتلة من أجل الفوز بحياة أفضل وأرقى من جحيم الوطن على حد قولهم وفكرهم البسيط.
كم من شباب وصلوا نحو الضفة الأخرى، ونجوا من قبضة الموج الهائج، لكنهم أخذوا النجاح والسعادة بمفهوم خاطئ. اقتنوا قنينة خمر وصاحبو فتيات بعيون زرقاء، وابتلوا بكل أنواع الفساد وانتهوا بالزج بهم في سجون الغربة غرباء.
من يريد المغامرة وتحدي أمواج البحر ليكن في حوزته شهادة أو حرفة أو مخطط رزين يحميه من قسوة الغربة. يحميه من العيش ذليلا وكأنه لقيط مجهول الهوية. يهان بضعفه من كل الفئات وفي كل مكان وزمان.
مواجهة الموت عبر القوارب في حد ذاتها قوة عظمى. ليتنا كنا نواجه مشاكلنا أيضا بتلك القوة والرغبة في الوصول رغم هيجان البحر وعلو الموج. ليتنا نبحث عن الحقيقة قبل ركوب القوارب. قبل أن يرمينا البحر غاضبا.
كفى! من جثامين شباب عادوا بلا أرواح وبلا تحقيق الأحلام.