البقرة والشرير

0 218٬165

بقلم: سلوى الغرظاف / فن سبور

وقفت البقرة بعيدة عن باقي الأبقار. كانت خائفة وغاضبة في نفس الوقت. كانت دائما ضاحكة متفائلة. حتى اشترى الحظيرة مالك جديد.

 

لم يستمع لرأيها باقي الرفاق. اتهموها بالجهل و العصيان لأوامر مالكها الجديد. قالوا لها: أيتها البقرة البليدة إفعلي ما تُؤمرين به واصمتي. لماذا تعاندين سيدك، ولا تنفذين أوامره دون تمرد؟ نخاف عليك الموت ذبحا.

 

أجابتهم: أنا لا أخاف الموت، فقد مات آبائي وأجدادي من قبل، وكأنكم تخبرونني شيئا جديدا لم يكن من قبل. الموت كان وسيظل. الذبح نهايتنا جميعا. لم نسمع من قبل عن بقرة عاشت حياة سعيدة بدون استغلال. أو عن بقرة ترعى بشرا بالمراعي الخضراء. ابتعدوا عني لن أمتثل لأوامر ذلك الطماع، ألم يكفيه تَغييره لنوع طعامنا وشرابنا؟ نَأكل أكلا مسموما. هل يُعقل ما يحدث لنا؟ لم تعد حياتنا طبيعية وصحية! حتى الأبقار صاروا يأكلون اللحم مثل البشر. لن أطيعه هذه المرة، لن آخذ الدواء، لست مريضة. أخبروه بقراري.

 

قضت اليوم بكامله مبتعدة عنهم. حتى حل الظلام. جاء مالكها إليها قائلا:

ـ “إما أن تعودي إلى الحظيرة أو سأعذبك أشد عذاب.”

ـ أجابته: “لا أخاف الذبح، لأنه نهايتنا الحتمية.”

ـ قال لها غاضبا، “هيا تقدمي أمامي، أحتاج الذهاب للنوم أيتها العنيدة اللعينة.”

أحنت رأسها ثم اتجهت نحو الحظيرة. كل الأبقار كانت لا تزال مستيقظة تنتظر قدومها. بدؤوا في التغامز عليها والتهكم على تصرفاتها.

نام الجميع تلك الليلة، في انتظار ما سيحدث اليوم الموالي. قام مالك الأبقار بفتح الأبواب لخروجهم  للأكل. ظلت تلك البقرة بالحظيرة رافضة الخروج. كانت مستاءة مما يحاول مالكها فرضه عليها وعلى رفاقها. لكنهم لم يستمعوا إليها حين طلبت منهم رفض أخذ الدواء، لأنهم ليسوا بمرضى، وسيكونون تحت رحمة شياطين الإنس.

لم يتوقع عقلهم البسيط تخيل مدى وقاحة وشر سيدهم الشرير. يظنون سذاجة أنه يحبهم ويخاف على صحتهم، لهذا يأمرهم بأخذ الدواء لسلامتهم وسلامة رفاقهم. لم يتخيلوا أن هناك أشرار أبشع من تصوراتهم المحدودة. أخبرتهم أن ما يهمه هو الربح وكسب مداخيل أضعافا مضاعفة، على حساب صحتهم وحريتهم. فقد كانت الأبقار تمتثل لأوامر مالكها بكل أريحية. كُثَّرٌ هم من حولها من الأبقار ممن يرفضون تحمل نتيجة قراراتهم الشخصية ويفضلون اتباع خطوات الراعي وأفكاره تهربا من تحمل المسؤولية. يعتقدون بذلك ألا لوم عليهم. وهكذا كانوا وسيظلون دوما يتقمصون دور الضحية.

 

البقرة تشعر بالضغط عليها، تهديد وترهيب. رفاقها يرفضون مناصرة رفضها. ظلت لساعات تعاند مالكها. دخل عليها بعدما أعاد الأبقار إلى مكانها. تعمد حضور جميع الأبقار معاقبتها، حتى تكون عبرة لمن يحاول الدفاع عن رأيه. عبرة لمن يرفض أن يكون منَ ومع القطيع.

الحرية كذبة تعيشها كل الأبقار. فكلهم مقيدون بقانون الطبيعة، قانون الأرض، أو قانون الرعاة. الأقوى هو الحاكم والأضعف هو الخادم. الأقوى هو الحق والأضعف هو الباطل.

 

أمر مالك الأبقار من يشتغلون عنده بتعليق البقرة العنيدة. ظلت البقرة صامتة ومصرة على رفضها أخذ الدواء. ما دامت بصحة جيدة ما السر في إصرار ذلك الشرير؟ كانت تدرك أنه سيعطيهم جميعهم دواء يزيد من وزنهم، ويزيد من قيمتهم.

 

اندهش رفاقها من تلك اللحظة. على حين غفلة قام بقطع قوائمها وهي على قيد الحياة، كانت تتألم لكنها لم تصرخ. الدموع بعينيها، لكنها تحبس أنفاسها المخنوقة من الوجع. ظل مالكها يضحك ويقول لها هل لا زلت مصرة؟ أجابته لن أمتثل لأوامرك أيها الشيطان، جسدي ليس ملكك، وصحتي شأني أنا، وليس شأنك!

 

الدماء بالأرض ساخنة والأبقار مصدومة ومرتبكة. بدأ يسلخ جلدها بشدة وهي تصرخ قائلة: أيها الشيطان افعل ما شئت! لست ضعيفة لأصدق كذبك، دمائي هذه ستحاسبك على ظلمك. فجأة لم تعد تتحرك، دمعتان نزلتا ألما. ماتت من شدة الوجع. استشهدت البقرة.

 

انتابت الأبقار مشاعر الخوف والهلع. لم يتوقعوا هذه النهاية الحزينة. بدا وجه مالكهم كوجه الشيطان فعلا. ربما لو توحد كلامهم ما كانت البقرة لتموت. تبادلت الأبقار نظرات الغضب بينهم، ثم انتفضوا من أماكنهم كأنهم زلزال، أو ربما جنود على أحصنة يحملون بنادق دفاعا عن الحرية وعن الوطن.

 

انطلقوا جميعهم نحو مَالكهم ثم بدؤوا بضربه، ركلا ورفسا ونطحا، بقوة دون توقف. سقط على الأرض ميتا وهو ملطخ بدمائه ودماء البقرة المقتولة.

 

تمنى الأبقار لو تضامنوا مع رفيقتهم قبل التعذيب، قبل الضغط والقتل. الضغط دائما نهايته سيئة. كانت البقرة تقول قيد حياتها: “الأجساد ملك أصحابها. لن يخاف على صحتك غيرك. لا تجعل حياتك لعبة بيد من يتاجرون في أجساد البقر. لن يتوقفوا عن الشر مهما أهديتهم من أجساد وأرواح.”

Loading...